“ما تأكله هو نظام المناعة لديك”، عبارة أكد عليها مختصون في حديث لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ عند الحديث عن أهمية التغذية السليمة وأنماط الحياة الصحية لتعزيز الجهاز المناعي لمواجهة فيروس كورونا (كوفيد ـ 19) .
وأشاروا إلى أن الممارسات الخاطئة في النظام الغذائي تساهم إلى حد كبير في هشاشة جهاز المناعة وبالتالي ضعف مقاومته للفيروس ولغيره من العوامل الدخيلة التي تهدد صحة الإنسان.
ونبه المختصون في حديثهم لـ/قنا/ إلى أن الغذاء السليم لا يمنع العدوى بفيروس كورونا (كوفيد ـ 19)، لكنه يقوي الجهاز المناعي بحيث يصبح أكثر قدرة على التصدي للفيروسات والتغلب عليها في حال تمكنت من غزو أجسامنا.
ويوضح المختصون النظام المعقد للجهاز المناعي، ودور الغذاء الصحي لتعزيز دوره في مواجهة الفيروسات ومحاربة كل ما يدخل الجسم من الكائنات الحية الدقيقة أو مسببات الحساسية ويحاربها من خلال إفراز البروتينات والمواد الكيميائية التي يمكن أن تحمي الجسم من مسببات الأمراض.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور أحمد المالكي، العميد المساعد للشؤون الأكاديمية في كلية العلوم الصحية بجامعة قطر إلى طريقة تعامل الجهاز المناعي مع العدوى الفيروسية ومنها الكورونا، مبينا أن عدوى فيروس كورونا تتشابه مع التي تسببها فيروسات مختلفة.
وقال إن هذه العدوى تحفز استجابتين مناعيتين رئيسيتين تسمى الأولى بالاستجابة “الفطرية” التي تمثل خط الدفاع الأول وتنطوي على تحفيز الخلايا القاتلة الطبيعية، والإنترفيرون، ودورها هو منع انتشار وحركة مسببات الأمراض في جميع أنحاء الجسم على الفور، وفي حال فشلها، تتولى المهمة الاستجابة “التكيفية”، التي تنتج الأجسام المضادة الخاصة بالفيروس بواسطة الخلايا الليمفاوية البائية والخلايا الليمفاوية التائية السامة التي تقتل الخلايا المصابة، كما أنها المسؤولة عن إنتاج خلايا الذاكرة التي تتيح مناعة مدى الحياة ضد الإصابة اللاحقة بالفيروس نفسه.
وفي حالة الفيروسات الجديدة، مثل الفيروسات التاجية ومنها كورونا، يشير الدكتور المالكي إلى أنه “لا أحد لديه الآن استجابة عالية لها، لأنها لم تصادف الذاكرة المناعية وبالتالي لم يطور أحد مناعة، مما يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بها”.. موضحا أنه “من الناحية الإكلينيكية فإن فترة الحضانة لفيروس كورونا والمراحل غير الحادة منه تتطلب استجابة مناعية تكيفية محددة للقضاء عليه ومنع تطور المرض إلى مراحل شديدة، ولذلك فإن استراتيجيات تنشيط الاستجابات المناعية مهمة في هذه المرحلة لتطوير استجابة مناعية وقائية.. منبها إلى أنه “في حال ضعف الاستجابة المناعية الوقائية سينتشر الفيروس مسببا خللا كبيرا للأنسجة المصابة، وهو ما يهدد الحياة في المرحلة الحادة منه”.
وانطلاقا من الدراسات العديدة في هذا المجال، يؤكد الدكتور المالكي أن تعديل أنماط الحياة وتناول الغذاء الصحي يعزز الجهاز المناعي ويحسن أداءه لمواجهة الفيروسات إلى حد كبير، كما أن الإقلاع عن التدخين يحسن من الأداء الوظيفي للرئتين، فيما تقوم الأنشطة البدنية بدور في غاية الأهمية لتعزيز الدورة الدموية.
ويوضح أن الاعتماد على نظام غذائي صحي غني بفيتامين سي والزنك، مثل: الفواكه والخضراوات يساعد بدوره الجهاز المناعي في مكافحة الفيروسات، إلى جانب بعض الاستراتيجيات التي تتعلق بأنماط الحياة الأخرى، والتي تعد عوامل لا غنى عنها للمحافظة على الأداء المناعي مثل: الابتعاد عن التوتر وتجنب الاكتئاب.
وبدوره يقول الدكتور فيجاي جانجي، عضو هيئة التدريس في قسم تغذية الإنسان، بكلية العلوم الصحية في جامعة قطر “ما تأكله هو نظام المناعة لديك”.. ويضيف “طريقة واحدة لحماية نفسك من الأمراض المعدية هي بناء نظام دفاع قوي، والدفاع القوي هو أفضل هجوم ضد كوفيد ـ 19.
وأشار في حديثه لـ/قنا/ إلى أن هناك العديد من الأطعمة التي يجب استهلاكها لتعزيز الجهاز المناعي، مثل التي تحتوي على الأحماض الدهنية (أوميغا -3) كالسلمون والأنشوجة (نوع من الأسماك) والسردين، ونحوها، وكذلك الأطعمة التي تحتوي على فيتامين (د) مثل الأسماك الدهنية وصفار البيض والأطعمة المدعمة بهذا الفيتامين مثل الحبوب ومنتجات الألبان، إضافة إلى مضادات الأكسدة والأطعمة الغنية بالفيتامينات، مثل القرنبيط والبروكلي والبرتقال والليمون والتفاح والتوت (فيتامين ج)، والزيوت النباتية (فيتامين هـ)، والحبوب واللحوم الخالية من الدهون (السيلينيوم)، إلى جانب ما يسمى بنظام البحر الأبيض المتوسط: الحبوب الكاملة، مثل: الخبز الأسمر، والشوفان الكامل، والكينوا، والهجاء، والجاودار، والحنطة السوداء، والذرة، والأرز البني، والمعكرونة الكاملة والحبوب وزيت الزيتون، وقليل من اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان، فضلا عن أطعمة البروبيوتيك كاللبن وحليب أسيدوفيلوس، وزبادي مدعم بروبيوتيك، وخبز خميرة الحبوب الكاملة.
ونصح الدكتور فيجاي جانجي بتجنب الأطعمة التالية لحماية الجهاز المناعي مثل الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة كالدهون الحيوانية، باستثناء الأسماك والدهون الاستوائية، مثل زيت جوز الهند وزيت النخيل والزبدة، وكذلك الأطعمة الغنية بالدهون المتحولة مثل الدهون المهدرجة، والدهون المهدرجة جزئيا، والزبدة، إلى جانب الابتعاد عن الكربوهيدرات المكررة مثل الخبز الأبيض والأرز الأبيض والبطاطس المقلية والمشروبات المحتوية على السكر، والأطعمة والدقيق الأبيض وجميع السكريات (مثل: السكر المكرر والسكر البني والسكر البودرة ومكعبات السكر، إلخ).
ودعا عضو هيئة التدريس في قسم تغذية الإنسان، بكلية العلوم الصحية بجامعة قطر إلى أطباق متنوعة قدر الإمكان مع مجموعة متنوعة من الخضار والفواكه والحبوب الكاملة.. منوها بأن هذه الإرشادات الغذائية عالمية لجميع الفئات العمرية للأشخاص.
وحول تغذية كبار السن مع انتشار جائحة كورونا، يوضح الدكتور جانجي أن الأرقام تشير إلى أن أكثر من 60 من الوفيات في الأشخاص فوق سن 70 عاما، ويؤكد “لذلك، يحتاج كبار السن والأشخاص من ذوي الأمراض المزمنة التي تهدد الجهاز المناعي، إلى أن يكونوا أكثر حذرا وأن يمارسوا عادات غذائية سليمة لتعزيز جهازهم المناعي”.
من جانب آخر، نبه المختصون إلى عادات وقائية مهمة من فيروس كوفيد ـ 19 تتعلق بحماية الطعام، بعدما أظهرت العديد من الدراسات إمكانية بقاء الفيروس لمدة 7 إلى 10 ساعات على أسطح مختلفة، مثل الملابس والمعادن، وبناء على هذه الدراسات، فإن من المحتمل أن يعيش هذا الفيروس على سطح الطعام وينتشر عبره في حال تعامل شخص مصاب مع هذه الأطعمة.
ويشدد الدكتور جانجي على ضرورة الحفاظ على تغطية الأطعمة غير المستخدمة وحفظها في الثلاجة على الفور، كما يجب أن يمارس عمال الخدمات الغذائية النظافة الشخصية السليمة كاستخدام القفازات النظيفة عند لمس الأطعمة والأقنعة التي تغطي الأنف والفم عند التعامل معها.
كما شدد على أهمية إعادة تسخين الأطعمة إلى 60 درجة مئوية على الأقل قبل استهلاكها بعد أن أثبت بعض الدراسات أن الفيروس يموت عند درجة حرارة 55 درجة مئوية أو أعلى.
ويلفت الدكتور جانجي الانتباه إلى بعض الأبحاث التي أظهرت أنه تم العثور على فيروس /كوفيد ـ 19/ في عينات البراز.. مبينا ذلك بالقول “استنادا إلى تقرير حديث، حوالي 20 من المرضى ثبتت إصابتهم بـ/كوفيد ـ 19/ في عينات البراز بعد 12 يوما من شفائهم من أعراض الجهاز التنفسي، مما يعني أن الفيروس يمكن أن ينتشر عن طريق البراز واللعاب حتى بعد شفاء المريض من هذا المرض وهذا يؤكد مرة أخرى على أهمية غسل اليدين بالصابون بعد استخدام الحمام”.
وفي سياق متصل، تقول جويس معوض من قسم تغذية الإنسان بكلية العلوم الصحية بجامعة قطر إن دراسات متنوعة أظهرت أنه يمكن تعزيز جهاز المناعة بشكل كبير بغض النظر عن الفئة العمرية أو العرق أو الجنس، وذلك عن طريق اتباع العادات الغذائية واستهلاك العناصر الغذائية المهمة.
وتشير كذلك إلى أن دراسة حديثة أظهرت أن النمط الغذائي التقليدي الذي يحتوي على الأطعمة الطبيعية غير المصنعة يؤثر بشكل إيجابي على صحة الجهاز المناعي.. كما تشير نتائج دراسات عدة إلى ارتفاع المناعة وانخفاض معدل الالتهاب في الدم عند اتباع نظام البحر المتوسط الغذائي.
ويعتمد نظام غذاء البحر المتوسط الذي يشير إليه الدكتور جانجي والسيدة معوض على استهلاك الخضار والفواكه والحبوب والبقوليات والمكسرات والأسماك وزيت الزيتون بشكل أساسي.. كما تعتبر الأحماض الدهنية غير المشبعة وخاصة أحماض أوميجا-3 الدهنية، مكونات مهمة لتعزيز المناعة لهذه الحمية، بحيث تحسن الأوميجا-3 البكتيريا المعوية وتعزز جهاز المناعة، وتوجد أوميجا- 3 في أسماك السلمون والهلبوت والسردين والبقور والتراوت والرنجة، وكذلك في الجوز وزيت بذور الكتان.
كما أن هناك مكونات غذائية أخرى لها أدوار أساسية في تطوير نظام مناعة فعال طوال فترة الحياة مثل الأطعمة الغنية بالألياف على سبيل المثال، وأطياف واسعة من الخضار والفاكهة الغنية بالفيتامينات.