Site icon دوحتي

توقعات باختفاء كوفيد 19 نهاية 2020

 الفيروس انتشر من خلال التسلسل الجيني وليس بالتلاعب في المختبر

 حاجة للاستثمار في البحث العلمي بشكل أكبر من أي وقت مضى

أكد الدكتور محمد فرحان الأستاذ المساعد بكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة إن جائحة كوفيد – 19 تركت تأثيرًا هائلًا على جميع أنحاء العالم. وهناك آمال بأن الفيروس سيختفي في الغالب بحلول نهاية العام الحالي، ولكنه سيتسبب في إلحاق أضرار غير مسبوقة بحلول ذلك الوقت.
ورغم تركيز العلماء في جميع أنحاء العالم على فهم هذا الفيروس في محاولة للوصول إلى علاج له، لا تزال الشكوك تحوم حول عدة جوانب تتعلق بأصل الفيروس.
وقد أُثيرت العديد من نظريات المؤامرة فيما يتعلق بأصل الفيروس على البوابات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن بين النظريات، التي أثارتها مجموعات غير علمية ذات نفوذ في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والهند، أن الفيروس قد تسرب من مختبر للفيروسات بمدينة ووهان في الصين.
ومع ذلك، فنَّد العديد من الأشخاص هذه الادعاءات، ودعموا الرأي العلمي القائل إنه من غير الوارد تمامًا أن يكون فيروس كوفيد-19 قد طُوِّر عن قصد باستخدام الهندسة الوراثية في المختبر.
فهل الأدلة العلمية قوية بما يكفي لدحض نظريات المؤامرة؟ دعونا نحلل بعض الأدلة.
أولاً، فيروس كوفيد-19 ليس أول فيروس تاجي يصيب البشر ويتسبب في إلحاق مثل هذه الآثار الهائلة. ففي الواقع، كانت هناك العديد من الفيروسات التاجية التي أدت إلى إصابة البشر بأمراض الجهاز التنفسي في الماضي.
وينتمي فيروس الإنفلونزا العادي؛ والفيروس التاجي الحاد المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس)، الذي تسبب في حدوث جائحة خلال الفترة من 2002 إلى 2003؛ وفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS)، الذي تسبب أيضًا في حدوث جائحة خلال عام 2012، إلى نفس عائلة الفيروسات التاجية.
ومن الوارد تمامًا كذلك أن يكون الفيروس قد انتقل إلى البشر بنفس الطريقة التي انتشرت بها فيروسات السارس أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، عبر الانتقال من الخفافيش إلى قط الزباد أو الجمال قبل إلحاق العدوى بالبشر. ويُعرف انتقال المرض من عائل حيواني إلى إنساني باسم الانتقال حيواني المنشأ.
ورغم أن هذا الأمر لم يتأكد بعد، فإن الحيوان الوسيط الذي انتقل من خلاله فيروس كوفيد-19 إلى البشر وفقًا لأرجح الاحتمالات هو البنغول، وهو حيوان حرشفي يشبه آكل النمل. ومع ذلك، لم يُستبعد بعد احتمال تطور الفيروس مباشرةً لدى البشر قبل انتقاله بينهم.
فما الذي يتسبب في انتقال هذه الفيروسات من الحيوانات إلى البشر؟ لقد تعايشت السلالات السالفة لفيروس كوفيد-19 في أجسام الخفافيش لفترة طويلة إلى درجة صعبت من إمكانية استمرار تكاثر هذه السلالات في أجسام الخفافيش وإصابتها بالمرض، وقد تصرفت الفيروسات التي تستمر في التحور بنفس الطريقة مؤخرًا، حيث تمكنت من دخول أجسام البشر وإصابتهم بالعدوى.
ومن الناحية الوراثية، تدخل الفيروسات التاجية إلى أجسام البشر عبر ربط بروتيناتها المسمارية ببروتين يعرف باسم الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE2)، الموجود على سطح الخلايا في الرئتين، والقلب، والأمعاء.
والأمر المثير للاهتمام هو أن التسلسل البروتيني للبروتينات المسمارية الفيروسية التي تسمح للفيروس بالالتصاق بالإنزيم البشري المحول للأنجيوتنسين 2 يشبه إلى حدٍ كبيرٍ الفيروسات التاجية الموجودة لدى حيوان البنغول، ولكن ليس بالتسلسل المتاح في الفيروسات التاجية الموجودة لدى الخفافيش، وهو ما يوحي بأن حيوان البنغول هو العائل الوسيط لنقل الفيروس إلى البشر بدلاً من الخفافيش مباشرةً.
ويتماشى هذا المسار مع النمط المعروف لانتقال الفيروسات التاجية. وفي وقت سابق، كانت القطط والجمال هي العائل الوسيط، والآن يمكن أن تكون حيوانات البنغول هي العائل. وفي الصين، تباع لحوم حيوان البنغول بأسعار باهظة وتحظى حراشيفه بقيمة عالية، وكثيرا ما تستخدم هذه الحيوانات التي يتم الاتجار فيها بشكل غير قانوني في الطب الصيني التقليدي.
وتستند أدلة ملموسة إضافية تدعم الرأي القائل إن فيروس كوفيد-19 قد انتشر من خلال الانتقاء الطبيعي، وليس من خلال التلاعب الجيني في المختبر، إلى التسلسل الجيني (الجينومي) للفيروس نفسه.
وقد أصدرت الصين أول تسلسل جينومي لفيروس كوفيد-19 خلال شهر يناير 2020. ومنذ ذلك الحين، تسلسل جينوم الفيروس آلاف المرات، وهو متاح للباحثين لدراسة أصل الفيروس التاجي. ويمكن أن يساعد التحليل المقارن لهذه التسلسلات المتاحة من مختبرات مختلفة حول العالم أيضًا في تتبع مسار الفيروس في جميع أنحاء العالم. وإذا كان الفيروس قد طُوِّر باستخدام الهندسة أو المعالجة الوراثية، لكان من المنتظر رؤية علامات على وجود تسلسل جيني مُدرج ومعدَّل وراثيًا.
وقد خضعت الفيروسات التاجية لدراسات مكثفة منذ عام 2002 في أعقاب انتشار فيروس السارس، ولا تزال العديد من المختبرات في جميع أنحاء العالم تعكف على دراسة هذه الفيروسات.
ولدراسة الفيروسات في المختبر، يحتاج العالم إلى أعمدة فقرية، أي مجال من التسلسل الجينومي يساعد الباحثين في حقن الخلايا أو الحيوانات بالفيروسات. ولهذا السبب، كان يجب أن يكون تسلسل العمود الفقري موجودًا في التسلسل الجينومي لفيروس كوفيد-19 لتدعيم فرضية تسرب الفيروس من المختبر، لكن جميع البيانات المتاحة المتعلقة بالتسلسل الجينومي أظهرت بشكلٍ قاطعٍ أن الفيروس غير مستمد من أي عمودٍ فقريٍ فيروسيٍ معروفٍ.
وباستخدام البيانات الجينومية والهيكلية المتاحة، توصَّل العلماء كذلك إلى أن فيروس كوفيد-19 قد تطور ليصبح مرتبطًا على وجه الخصوص بالإنزيم البشري المحول للأنجيوتنسين 2، وأنه أقل كفاءة في الارتباط ببروتين هذا الإنزيم لدى الحيوانات مثل القطط، والكلاب، والماشية، وهو ما يشير إلى أن الفيروس قد انتشر نتيجةً للانتقاء الطبيعي.
وتشكل الفيروسات نسبة كبيرة من مسببات الأمراض البشرية المعروفة والمستجدة. فمنذ عام 1980، انتقلت 75٪ من الفيروسات المستجدة إلى البشر عن طريق عائل حيواني وسيط. وبالتالي، يتعين فحص الأنواع الحيوانية، لا سيّما تلك التي تحتك بشكلٍ مباشرٍ مع البشر، للبحث عن الفيروسات بطريقة اعتيادية؛ من أجل الاستعداد لمواجهة أي تفشٍ آخر للفيروسات في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، يتعين على العلماء تطوير وسائل فعالة من حيث التكلفة لتحسين عملية الكشف الروتيني، والوقاية، وإيجاد علاج للأمراض المعدية والأمراض المصاحبة المرتبطة بها.
وقد لقَّن فيروس كوفيد-19 العالم درسًا كبيرًا، وهو أن تلك التهديدات الناجمة عن انتشار الأمراض يمكن اكتشافها وإدارتها بشكلٍ فعالٍ من خلال العلم، وبالتالي هناك حاجة للاستثمار في البحث العلمي بشكل أكبر من أي وقتٍ مضى.

Exit mobile version